الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك، ليست مجرد مقولة أو حكمة، وإنما يجب أن تكون أسلوب للحياة، نسمع كثيراً عن أهمية استثمار الأموال؛ ولكن هل سمعت عزيزي الثري العربي المستقبلي عن استثمار الوقت، وأهميته، هل تعلم أنه بإمكانك كسب الأموال وخسارتها وتعويض الخسارة كذلك، ولكن الوقت من الأشياء الثمينة التي لا يمكن تعويضها بأية حال من الأحوال، فعمرك أيام وساعات، إذا ذهب يوم ذهب بعضك.
في البداية يجب معرفة أن هناك فرق شاسع بين قضاء الوقت واستثمار الوقت، فقضاء الوقت يحمل العديد في طياته، فقد تمضي وقتك في اللهو، أو اللعب، أو النوم والاسترخاء، وكذلك فعل أشياء ضارة لك أو لصحتك، أو على نحو آخر قد تمضي الوقت في أشياء نافعة؛ أما إذا تحدثنا عن تعريف استثمار الوقت فالأمر مختلف كليةً، فالاستثمار في أي شئ يعني بذل جهد أو وقت أو مال وانتظار شئ في المقابل، فيما يعرف في عالم الاستثمار باسم العائد على الاستثمار أو ( Return on investment ( ROI.
فقد تستثمر وقتك في القراءة، أو تعلم مهارات جديدة، أو لعب رياضة معينة لبناء جسمك عضلياً، أو قد تستثمر وقتك في بناء علاقات قوية مع الآخرين، أو غيرها من الأشياء، وفي جميع الأحوال أنت تنتظر العائد من استثمار الوقت في تلك الأمور النافعة.
ما هو الفرق بين استثمار الوقت وقضاء الوقت؟
فيما يلي أهم الفروق بين قضاء الوقت، واستثمار الوقت:
والآن لتحديد ما إذا كنت تقضي وقتك في أشياء لا طائل منها، أم أنك تستثمر وقتك فيمكنك أن تسأل نفسك الأسئلة التالية:
- هل تمضي وقتك في علاقات مؤذية، لا تجعلك سعيداً، وأنت مستمر في تلك العلاقات فقط لأنك خائف من المغادرة؟ أم أنك تستثمر وقتك في بناء علاقات قوية، تجعلك سعيداً، مع أشخاص يقومون بدعمك، ويقفون إلى جانبك في الشدائد، ويشدون من عضدك؟
- هل تقضي وقتك في وظيفة لا تحبها، ولكنها فقط تساعدك على العيش على الفتات؟ أم أنك تستثمر وقتك في عمل يجعل منك شخص أفضل، ويساعدك في بناء مستقبل يجعلك فخوراً.
- هل تمضي وقتك في مشاهدة التلفاز، دون طائل؟ أم أنك تستثمر وقتك في عمل الأنشطة المفيدة لك، والتي تصقلك روحياً، وجسدياً، واجتماعياً، تلك التي تجعلك سعيداً.
- هل تمضي وقتك في الأحاديث التي لا طائل منها مع أناس مستعدون لطعنك بمجرد أن تدير ظهرك عنهم؟ أم أنك تستثمر وقتك في بناء علاقات اجتماعية قوية قادرة على رفعك إذا تعرضت لأزمة؟
- هل تمضي وقتك في تصفح الصفحات المختلفة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟ أم أنك تستثمر وقتك في إيجاد مصدر دخل لك من خلال هذا العالم الكبير الملئ بالفرص؟
- هل تمضي وقتك في النوم لساعات طويلة زائدة عما يحتاجه جسمك للراحة؟ أم أنك تستثمر وقتك في بنائه من خلال عمل رياضة مفيدة، تقوي من بنيانك، وتكون خير استثمار لك في المستقبل؟
- هل تقضي وقتك في الأكل من محلات الوجبات السريعة؟ أم أنك تستثمره في طهي الوجبات المفيدة لعقلك وبدنك؟
- هل تقضي وقتك في تحقيق خطط الآخرين؟ أم أنك تستثمر وقتك في تحقيق خططك وأهدافك؟
- هل تضيع وقتك في ألعاب الفيديو؟ أم أنك تستثمر وقتك في تعلم مهارة جديدة لزيادة دخلك وعيش الحياة التي تطمح لها؟
- هل تمضي وقتك في تغذية المشاعر السلبية مثل القلق والخوف والغضب؟ أم أنك تستثمر وقتك في تقوية مهاراتك، والعمل على تقوية وتطوير شخصيتك؟
- هل تقضي جُل وقتك في الشكوى والتذمر من سوء الوضع الحالي، ومن كثرة المشاكل التي تواجهك؟ أم أنك تستثمر وقتك في حل المشاكل ومواجهتها، وبذل ما في وسعك لتحسين وضعك؟
- هل تهدر وقتك في البحث عن الأشياء التائهة في منزلك أو مكتبك، أم أنك تستثمر وقتك في ترتيب وتنظيم أشيائك بالشكل الذي يجعلك تصل لها بسهولة؟
- هل تضيع وقتك في الذهاب مع التيار، وعمل أي شئ يُطلب منك، أم أنك تستثمر وقتك في وضع خطط يسير عليها يومك وتسعى لتحقيقها؟
كل هذه الأسئلة وأكثر يجب عليك أن تسألها لنفسك دائماً لتحديد ما إذا كنت تقضي وقتك أو تستثمره، والآن وقد عرفت الفرق الشاسع بينهما؛ دائما اسأل نفسك هل ما أفعله الآن مهم لي ويساعدني على بناء شخصيتي ومستقبلي، أم هو إضاعة للوقت لا طائل منها؟ سيساعدك ذلك على التخلص من إهدار الوقت، والعمل على تحديد أولوياتك ووضعها نصب عينيك.
كيف تستثمر وقتك؟
تخيل أنك تمتلك مليون جنيه، ويجب عليك استثمار جزء كبير منها، ماذا ستفعل؟ هل ستختار أي شئ تضع فيه أموالك؟ أم أنك سوف تفكر ملياً في الأمر، وتختار بعناية ما هو مناسب لك؟ بالطبع سيتطلب الأمر منك الكثير من التفكير وأخذ القرار المناسب لوضع أموالك في المكان الصحيح. هذا بالنسبة للأموال فما بالك باستثمار الوقت، وهو أغلى ما تملك في حياتك. تعرف علي فوائد استثمار الوقت.
يتطلب استثمار الوقت بذل المزيد من التفكير، وتحديد الأولويات، ويمكنك عمل ذلك من خلال:
حدد أهدافك:
تُعد عملية تحديد الأهداف هي الأهم على الإطلاق، فبدون تحديد الأهداف وبالتالي تحديد الأولويات لا معنى للوقت أو استثماره، فكل الطرق تؤدي إلى روما. ولذا يجب عليك إعطاء هذه النقطة الكثير من الاهتمام، فبدونها لا معنى للوقت من الأساس، اعطي هذه النقطة تحديداً الكثير من الوقت والتفكير، للوصول إلى نتائج مرضية، حدد المهم والأهم بالنسبة لك، حدد الأهداف القريبة الأجل، وكذلك الأهداف طويلة المدى، هذا سوف يعطيك رؤية واضحة لاستثمار الوقت، وتحديد الأولويات.
اتخاذ قرار بشأن استثمار الوقت:
ها أنت وقد حددت أهدافك، فها قد حان الوقت لإعطاء كل هدف جزء من وقتك، ويعتمد تقسيم الوقت على الأهداف بناءً على أهمية الهدف وكذلك مدى صعوبته، فالأهداف المهمة تأتي أولاً، وتأخذ الكثير من الوقت والجهد، فمثلاً إذا كانت أهم أهدافك بناء علاقات أسرية قوية؛ فيجب استثمار الوقت أو الكثير منه في بناء العلاقات والروابط الاجتماعية القوية، وهكذا. فما تنفق فيه وقتك، سيعود عليك الناتج بطريقة أو بأخرى، فتخير جيداً أين تنفق وقتك.
مهارات استثمار الوقت:
في ظل العصر الحديث المليء بالمشتتات، التنبيهات من هنا ومن هناك؛ تعد مهارات استثمار الوقت من أهم المهارات على الإطلاق، والتي يجب عليك عزيزي القارئ أن تكتسبها، وأن تتعلمها جيداً، هذا في حال كنت تبحث عن التميز، في عصر كثر فيه المتشابهون، عليك اكتساب مهارات استثمار الوقت، كي تحلق بعيداً عن القطيع، وعن القاع المليء بالكثير والكثير ممن يهدرون وقتهم دون فائدة أو طائل يذكر.
ويمكنك اكتساب مهارات استثمار الوقت من خلال خطوات بسيطة، ولكنها تُعد فارقة، وذلك من خلال:
ترتيب الأولويات
حدد أولوياتك، وما هي الأشياء العاجلة التي يجب عليك إنجازها، وما هي الأشياء المهمة بالنسبة لك، والتي يتطلب إنجازها وقت أطول، وأي المهام يحتاج إلى تركيز ذهني، يجب فعلها في الصباح، وأي المهام لا يتطلب ذلك، فيمكنك عملها قبل النوم، وهكذا.
جدولة المهام
تعد جدولة المهام من أهم مهارات استثمار الوقت، فيمكنك عمل خطط قصيرة المدى، وأخرى طويلة المدى، يمكنك جدولة الأهداف التي تريد إنجازها خلال عام مثلاً، ثم تقسيم هذه الأهداف خلال أشهر السنة، ثم تقسيم المهام الأسبوعية، وتحديد المهام اليومية، فيما يخدم الهدف الأكبر وهو الوصول في نهاية العام إلى إنجاز كل الأهداف السابق جدولتها، أو معظمها على أضعف تقدير. إذا استطعت جدولة المهام بهذا الشكل فقد قطعت شوطاً كبيراً لتحقيق هدفك، واكتسبت مهارة قوية من مهارات استثمار الوقت.
اكتب ما تريد القيام به
لا يمكنك الوصول إلى أهداف غير مكتوبة، العقل البشري لا يعترف بالخطط والأهداف الوهمية غير المكتوبة على الورق أو المحفوظة، والتي لا يمكن جدولتها أو قياسها، فقد جُبل العقل البشري على هذا الأساس، فيجب كتابة المهام لكي يتم نقلها من المستوى اللاواعي في المخ إلى المستوى الواعي، فيتم كتابة المهام، وتحديد الوقت المناسب لإنجاز كل مهمة، حتى لو بشكل تقريبي.
قم بتفويض ما يمكن تفويضه
مهما بلغ عمر الإنسان فإن تواجده على الأرض محدود جداً، لذلك علينا التيقن أننا لا نستطيع عمل كل شيء بأنفسنا، وأنه من أهم مهارات استثمار الوقت على الإطلاق والتي يجب علينا اكتسابها، لتوفير الكثير من الوقت والجهد، هي مهارة تفويض المهام، والتي يمكن تفويضها، فإذا كان في استطاعتك دفع مال لبعض الأشخاص كي يقوموا بعمل روتيني غير ذي جدوى، أو سيوفر لك المزيد من الوقت لاستثماره، افعل ذلك فوراً، فوقتك هو أهم ما تملك، وكن على يقين أنك لن تستطيع عمل كل شيء بمفردك.
لا تنسى نصيبك من الراحة
لا تستنزف كل طاقتك، هذا ليس في صالحك بالمرة، يجب عليك أخذ قسط من الراحة بين الحين والآخر خلال اليوم، وأخذ قسط كافٍ من النوم بالليل، لا يقل عن 6-8 ساعات متواصلة، مما يعمل على تجديد طاقتك وشحنها باستمرار.
كافئ نفسك
كافئ نفسك على الإنجازات البسيطة اليومية التي تقوم بها، يمكن عمل ذلك من خلال مكافأة نفسك بمشاهدة فيلم، أو حلقة من مسلسلك المفضل، وكافئ نفسك على الإنجازات الكبيرة بشيء مماثل، مثل الذهاب في رحلة، أو شراء جهاز موبايل جديد، أو شئ محبب بالنسبة لك.
أهم النصائح لاستثمار الوقت
ادفع لنفسك أولاً ( Pay yourself first )، كن على يقين أن أعظم استثمار يمكنك القيام به هو الاستثمار في نفسك، لا يمكن لأحد أن يسلبك إياه، استثمر في نفسك أولاً، اعمل على بناء حلمك قبل العمل على بناء أهداف الآخرين، في الصباح قبل الذهاب للعمل؛ استثمر في بناء جسمك وعقلك، قم بعمل رياضة خفيفة، اقرأ بضع صفحات من كتب مفيدة، تعلم مهارة أو لغة جديدة، استثمر أموالك قبل أن تدفع الفواتير وغيرها، استثمر في بناء مستقبلك قبل العمل على بناء مستقبل الآخرين.
حدد وقتاً للتأمل والتفكير والاسترخاء، ذلك سوف يساعدك في الحصول على ذهنٍ صافٍ، والوصول إلى أفضل النتائج.
حدد الأشياء التي تشتت تفكيرك، أو تبعدك عن إنجاز المهام، وحاول تقنينها أو الابتعاد عنها بشكل تام.
اقتطع جزء من وقتك واقضه مع أهلك وأصدقائك، سيساعدك ذلك في تجديد الطاقة والترفيه عن نفسك، وفتح آفاق لأفكار جديدة.
تحدثنا في هذا المقال عن استثمار الوقت، وأهمية استثمار الوقت، وكذلك عن مهارات استثمار الوقت، وأهميتها، ويجب عليك عزيزي القارئ أن تحدد جيداً وقتك، وتحدد المشتتات التي تبعدك عن استثماره، وقتك هو أهم ما تملك في هذه الحياة، فاعمل دائماً على حسن استغلاله، والاستفادة القصوى منه، واستغلاله بالشكل الصحيح مما يجعلك تندم في المستقبل.